سورة الشعراء - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} معناه: إنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعًا، ولا تدفع ضرًا، لكن اقتدينا بآبائنا. فيه إبطال التقليد في الدين. {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ} الأولون. {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} أي: أعداء لي، ووحَّده على معنى أن كلَّ معبودٍ لكم عدو لي. فإن قيل: كيف وصف الأصنام بالعداوة وهي جمادات؟ قيل: معناه فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة كما قال تعالى: {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًا} [مريم- 82]. وقال الفرَّاء: هو من المقلوب، أراد: فإني عدوٌّ لهم، لأن من عاديته فقد عاداك. وقيل: {فإنهم عدو لي} على معنى إني لا أتولاهم ولا أطلب من جهتهم نفعًا، كما لا يُتَوَلَّى العدو، ولا يُطْلب من جهته النفع.
قوله: {إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} اختلفوا في هذا الاستثناء، قيل: هو استثناء منقطع، كأنه قال: فإنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي. وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله، فقال إبراهيم: كل من تعبدون أعدائي إلا ربَّ العالمين. وقيل: إنهم غير معبود لي إلا رب العالمين، فإني أعبده. وقال الحسين بن الفضل: معناه إلا من عَبَدَ ربَّ العالمين. ثم وصف معبوده فقال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} أي: يرشدني إلى طريق النجاة. {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} أي: يرزقني ويغذني بالطعام والشراب، فهو رازقي ومن عنده رزقي.


{وَإِذَا مَرِضْتُ} أضاف المرض إلى نفسه وإن كان المرض والشفاء كله من الله، استعمالا لحسن الأدب كما قال الخَضِرُ: {فأردت أن أعيبها} [الكهف- 79]، وقال: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما} [الكهف- 82]. {فَهُوَ يَشْفِينِ} أي: يبرئني من المرض. {وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} أدخل {ثم} هاهنا للتراخي، أي: يميتني في الدنيا ويحييني في الآخرة. {وَالَّذِي أَطْمَعُ} أي: أرجو، {أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} أي: خطاياي يوم الحساب. قال مجاهد: هو قوله: {إني سقيم}، وقوله: {بل فعله كبيرهم هذا}، وقوله لسارة: «هذه أختي»، وزاد الحسن وقوله للكواكب: {هذا ربي}. وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أخبرنا عبد الغافر بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قال: قلت يا رسول الله: ابن جدعان، كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: «لا ينفعه إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه، وإخبار أنه لا يصلح للإلهية من لا يفعل هذه الأفعال. {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} قال ابن عباس: معرفة حدود الله وأحكامه. وقال مقاتل: الفهم والعلم. وقال الكلبي: النبوة {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} بمن قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة. {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} أي: ثناء حسنًا، وذكرًا جميلا وقبولا عامًا في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله ذلك، فجعل كل أهل الأديان يتولَّونه ويثنون عليه. قال القتيبي: وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به. {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} أي: ممن تعطيه جنة النعيم.


{وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} وقال هذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله، كما سبق ذكره في سورة التوبة. {وَلا تُخْزِنِي} لا تفضحني، {يَوْمِ يُبْعَثُونَ} {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد، هذا قول أكثر المفسرين. قال سعيد بن المسيب: القلب السليم هو الصحيح، وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض. قال الله تعالى: {في قلوبهم مرض} [البقرة- 10]، قال ابن عثمان النيسابوري: هو القلب الخالي من البدعة المطمئن على السنة. {وَأُزْلِفَتِ} قربت {الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} {وَبُرِّزَتِ} أظهرت، {الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} للكافرين. {وَقِيلَ لَهُمْ} يوم القيامة، {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} {مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} يمنعونكم من العذاب، {أَوْ يَنْتَصِرُونَ} لأنفسهم. {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} قال ابن عباس: جمعوا. وقال مجاهد: دُهْوِرُوا. وقال مقاتل: قذفوا. وقال الزجاج: طرح بعضهم على بعض. وقال القتيبي: ألقوا على رءوسهم. {هُمْ وَالْغَاوُونَ} يعني: الشياطين، قال قتادة، ومقاتل. وقال الكلبي: كفرة الجن. {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} وهم أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس. ويقال: ذريته. {قَالُوا} أي: قال الغاوون للشياطين والمعبودين، {وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضًا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8